فصل: المبحث الأول: جذور العداء اليهودي للمسيحية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنظمات اليهودية ودورها في إيذاء عيسى عليه السلام **


 مطلب حول عقيدة اليهود في المسيح ‏"‏المنتظر‏"‏

اليهود في انتظار دائم لظهور المسيح ‏"‏المسيا المنتظر‏"‏ الذي حين يأتى تطرح الأرض فطيرا و ملابس من الصوف و قمحا‏'‏ حبه بقدر كلاوى الثيران الكبيرة‏'‏ و في ذلك الزمن ترجع السلطة لليهود‏'‏ وكل الأمم تخدم ذلك المسيح و تخضع له‏'‏ و في ذلك الوقت يكون لكل يهودى ألفان و ثمانمائة عبد يخدمونه و ثلاثمائة و عشرة تحت سلطته‏'‏ لكن المسيح لايأتى إلا بعد انقضاء حكم الخارجين عن دين بنى إسرائيل‏"‏‏.‏

- و يوم الغفران هو اليوم الذي يصلى فيه اليهود صلاة يطلبون فيها الغفران عن خطاياهم التى فعلوها‏'‏والأيمان التى أدوها زورا‏'‏ و العهود التى تعهدوا بها و لم يوفوا‏.‏‏.‏ و من هنا سهل عليهم ارتكاب الخطايا‏'‏ مهما بلغ تجاوزها مادامت تعود عليهم أفرادا و جماعات بما هو كسب لدنياهم ‏'‏ إلى أن تقوم دولتهم أو دولة المسيح‏'‏ فلا يكونون في حاجة إلى الخطايا‏'‏ لأن كل شىء يأخذ طريقه لصالحهم‏.‏ ‏[‏اليهود تاريخ وعقيدة، صــ 151-152،بتصرف‏.‏‏]‏

- و لقد كان اليهود ينتظرون المسيح المخلص الذي يخلصهم من العبودية بعد تشتتهم و يعيد إليهم ملكهم الدنيوي، فلما ظهر ‏"‏ يسوع‏"‏ أو ‏"‏ عيسى‏"‏ في صورة ‏"‏قديس‏"‏ وحاول تخليصهم روحيا و خلقيا من شرورهم، ولم يظهر في صورة ملك يعيد إليهم سلطانهم الدنيوي، أنكروه و اضطهدوه، و حتى الآن ، و هم ينتظرون المسيح المخلص في صورة ملك من نسل داود، يخلصهم من الاستعباد و التشتت، ولهذا لم يؤمن ‏"‏ أصحاب المصالح‏"‏ بالسيد المسيح‏"‏ عيسى ابن مريم‏"‏ حين ظهوره، على الرغم من انطباق الصفات- التى بشر بها الأنبياء من قبله- عليه‏.‏

و ظلت الكتابات اليهودية على حالها تدعو إلى ظهور ‏"‏المسيح المنتظر‏"‏ حتى أيامنا هذه ‏.‏

فاليهود القاطنون في حى ‏"‏مياشعاريم‏"‏ بالقدس ، يعتبرون دولة إسرائيل ثمرة ‏"‏الغطرسة الآثمة ‏"‏، لأنها قامت على يد نفر من الكافرين الذين حرفوا مشيئة الله بعلمهم ، و تطاولوا على وعد الرب، بدلا من انتظار المسيح الموعود ، فالمسيح المنتظر هو وحده القادر على إقامة الدولة لتكون مملكة الكهنة و القديسين‏.‏ و اعتقاد سكان ‏"‏ مياشعاريم‏"‏ هؤلاء ،إنما انطلقوا في معتقدهم هذا عن إيمان صادق ، أوحاه الكهان إليهم ، و عمقوه في نفوسهم‏.‏ و غيرهم من اليهود يلتقون معهم في المعتقد، و هو مجيئ المسيح، الذي لم يأت بعد، وإن خالفوهم في جزئية إقامة الدولة قبل مجيئه‏.‏ ‏[‏ المرجع السابق، صـ 165-167، بتصرف‏.‏‏]‏ و في كتاب ‏"‏ قصة الحضارة‏"‏ لـ ‏"‏ ول ديورانت‏"‏ يتساءل مؤلف الكتاب ‏:‏ إن كان المسيح - عليه السلام - قد وجد حقا ‏.‏ و يثير حول الأناجيل مختلف الشبهات و يشكك في نسبه، و في أنه ولد من عذراء ، و ينكر كل معجزاته، فينسبها جميعا إلى الكذب والتلفيق، أو يردها إلى خداع الحواس و الوهم، أو ما سماه ‏"‏العلاج النفسي‏"‏ و يتناول شخص ‏"‏المسيح‏"‏ - عليه السلام- وكلماته وروايات الأناجيل بالسخرية‏.‏ ‏[‏ قصة الحضارة ، ج11، صـ202-222 ، بتصرف، نقلا عن ‏:‏ حصوننا مهددة من داخلها، د/ محمد محمد حسين، صـ 131-132، بتصرف‏.‏ ط/مؤسسة الرسالة، الثانية، 1401هـ/1983م‏]‏ فما المسيح المنتظر‏:‏ مسيا كلمة آرامية معناها منتظر أو موعود، و اليهود منذ بدأ شتاتهم في الأرض بالسبي البابلي حتى اليوم ، و هم ينتظرون مسيا‏"‏ مسيحا‏"‏ يخلصهم مما هم فيه من ذل و اضطهاد، و حين جاء موسى بن ميمون ، أدخل فكرة المسيح المنتظر في إطار العقائد اليهودية ، و ما يزال اليهود ينتظرون مسيحهم الموعود ، ليتوج ملكا على جميع العالم ، و يحكمه من عاصمة مملكته في يهوذا‏.‏

بقى خيال مسيا يصاحب اليهود أينما حلوا ‏.‏‏.‏فقد تحدثت عنه البروتوكولات ، ورأته خصما لعيسى ابن مريم ، و رآه ‏"‏شهود يهوه‏"‏ كامنا في الهيكل ، أما أقطاب الصهيونية فقد رأوا أنفسهم نوابا عنه ، يمهدون لقيام دولة له تستقبله، و رآه ‏"‏هيرتزل‏"‏ في منامه يقول‏:‏ أعلن ، أعلن أنى آت قريبا ، و أما ‏"‏ابن غوريون‏"‏ فإنه رآه درعا يدفع عن اليهود المحن و على كل ،فاليهود يرون مسياهم المسيح الحقيقى، الذي سوف يظهر على الأرض ، يوم أن تمتلئ الأرض جورا و حروبا، يخلص الناس من أوضارهم و آثامهم، فيستأصل جميع الأديان ، ما عدا الدين اليهودى، و يحل كل الحكومات، ما عدا مملكة يهوذا ، و عندها يستريح رب الأرباب، رب إسرائيل بين خصومه، و يعم العالم سلام ، كما يقول التلمود، فينتهى بذلك بكاء رب الجنود و ندمه و أنينه، لتفريط بحق شعبه المختار، فتمطر السماء فطيرا و ملابس صوفية مخيطة ، و هذه هى الدينونة الكبرى في عرف اليهود، و لا دينونة بعدها، فالقيامة عند اليهود هى قيام مملكة يهوذا، و البعث هو بعثها من رقادها ، والجنة هى التمتع برؤية رايتها مرفوعة ، و رؤية أعدائها مهزومين ، والاستحواذ على أموالهم و ممتلكاتهم غنيمة لبنى إسرائيل، و النار هى مناوئتها، فالدينونة الحقيقية في عرفهم إذن إنما هى إدانة جميع شعوب الأرض، و الانتقام منهم، لأنهم تسببوا في شتات بنى إسرائيل و اضطهادهم و ظلمهم‏.‏ ‏[‏ انظر بتوسع‏:‏ القوى الخفية،صـ 119-120، والفكر الديني اليهودي د/ حسن ظاظا، صـ98-128،ط/ بيروت، الثانية، 1987م، والموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية، د/ عبد المنعم الحنفي، صـ 224-225، ط/ دار المسيرة، بيروت، ط/أولى، 1980م‏.‏‏]‏

و هذه جماعة ‏"‏شهود يهوه‏"‏ يتظاهرون أنهم رسل سلام ومحبة إلا أنهم ينادون بأن ‏"‏يهوه‏"‏ سوف يدمر جميع حكومات هذا العالم الشرير، عندما يظهر المسيح المنتظر ‏.‏

و هم يدعون بأنهم قد ذاقوا المر من الفاتيكان والنازية ،ولهذا فإنهم ينادون بتحويل فلسطين بكاملها إلى دولة يهودية ، و يؤيدون الحركة الصهيونية التى تسعى إلى ذلك تأييدا سافرا‏.‏ ‏[‏ القوى الخفية، صـ 153-154، بتصرف‏.‏‏]‏

و هذا الواقع خير دليل ، فما يحدث الآن في فلسطين زاد مما قالوه و خططوا له ، و هذا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يهنىء رئيس وزراء إسرائيل على ما حققوه في فلسطين ، من قضاء على الإرهاب الفلسطيني و قد رشحوه ليكون رجل السلام ‏!‏‏!‏

بعد أن قام بهذه المذابح - خاصة في جينين- التى لم يسبق لها مثيل في مذابحهم السابقة‏.‏‏!‏‏!‏

و يرجع ذلك المعتقد بسبب عنصرية اليهود ، حيث زعم اليهود أنهم أفضل الشعوب والأجناس ، لنصوص توراتية عندهم تقول‏:‏ ‏"‏أنا الرب الهكم الذي ميزكم عن الشعوب ، تكونون لي قديسين، ، لأني قدوس، أنا الرب وقد ميزتكم من الشعوب لتكونوا لي ‏.‏

- إنك يا إسرائيل شعب مقدس للرب إلهك، إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض ، ليس من كونكم أكثر من سائر الشعوب التصق بكم الرب و اختاركم، لا لأنكم أقل من سائر الشعوب، بل من محبة الرب إياكم ، و حفظه القسم الذي أقسم لآبائكم‏.‏

- و ما السبب في كون اليهود شعبا مختارا‏؟‏

هناك عبارات اصطلاحية يذكرها اليهود للتعبير عن مصدر هذا الاختيار، وهى عبارات تدعو للسخرية و الضحك‏.‏ فالباحث‏"‏Arthur Hertzberg‏"‏ يقرر أنه في سيناء عندما تجلى الله لموسى و لبنى إسرائيل ، تم زواج بين الله و بين إسرائيل،و سجل عقد الزواج بينهما ، و كانت السموات والأرض شهودا لهذا العقد‏.‏‏.‏‏.‏

و يرى اليهود أن الامتياز الذي حصل عليه الشعب اليهودي هو في الوقت نفسه مسئولية عليهم، و عدم رعايتهم هذه المسئولية بأمانة وصدق جعلهم هدفا للانتقام، و لذلك فإنهم يفسرون ما نزل بهم من ضر بأنه عقاب لهم على عدم حملهم الأمانة و عدم سير هم بمقتضى ما منحوه من امتياز و تفوق، و يضيف مفكروهم- دفاعا عما أصابهم من ويلات - أن اليهود لم يكونوا أكثر الناس خطايا، و لا أبعدهم عن الصواب ، و لكن المصائب لحقت بهم أكثر من غيرهم ، لأن اختيارهم و تفضيلهم على سواهم ، كان يحكم عليهم أن يكونوا أكثر طاعة و أكثر استجابة، فلما عصوا كان عقابهم أقسى مما نزل بسواهم على نفس العصيان‏"‏‏.‏

و الصراع الذي وقع بين اليهودية والنازية إنما هو صراع عنصري، منشأه أن الصهيونية و النازية تشتركان في ادعاء السيادة و الامتياز على البشر ، فالنازبة أسست على أن الألمان عنصر ممتاز نقى يسمو على كل عناصر البشر، و ليس هناك من يضاهيه رفعة و سموا، و لما كانت هذه المبادئ نفسها هى مبادئ اليهود، فإن صداما ضخما حدث بين الطائفتين ، لأن كلا منهما يدعى أنه أفضل من الآخر ، و في مكان السيادة بالنسبة له‏.‏

ونتج من طبيعة الاختيار عقيدة أخرى عند اليهود ، هى عقيدة المسيح المنتظر ، فهذه جذوره الفكرية، فإن اليهود وجدوا أنفسهم لاخيرة البشر كما زعموا، ولاصفوة الخلق كما أملوا، بل لم يجدوا أنفسهم في نفس المكانة التى ينعم بها الآخرون ، و إنما كانوا هدفا للبلايا و النكبات، و من هنا اتجه مفكروهم في عصورهم المتأخرة إلى مخلص و منقذ ينتشلهم من هذه الوهدة، و يضعهم في المكانة التى أرادواها، و أطلقوا على هذا المخلص‏"‏المسيح المنتظر‏"‏ و وصفوه بأنه رسول السماء، والقائد الذي سينال الشعب المختار بهديه و ارشاده و يستحق من سيادة و سؤدد‏.‏

و كلمة ‏"‏ المسيح‏"‏ معناها الممسوح ‏"‏بزيت البركة‏"‏ ‏"‏لأنهم كانوا يمسحون به الملوك والأنبياء و الكهنة والبطارقة‏.‏ و كانوا في مبدأ الأمر يرون المسيح ملكا فاتحا مظفرا من نسل داود، يسمونه‏"‏ابن الله‏"‏ و يعتقدون أنه سيجئ ليعيد مجد إسرائيل، و يجمع أشتات اليهود بفلسطين، و يجعل أحكام التوراة نافذة المفعول، و لكنهم أحيانا أطلقوا كلمة المسيح على من يعاقب أعداءهم و إن لم يكن من نسل داود، كما أطلقها ‏"‏أشعيا‏"‏ على قورش‏"‏، و لما طال انتظارهم للمسيح الفاتح الغازي، و لم يجئ فكروا أحيانا بأن يجئ المسيح مصلحا اجتماعيا عادلا وديعا‏.‏

و لا يستبعد أن يكون ‏"‏مسيا‏"‏ الذي هو ‏"‏المسيح‏"‏يمثل المنقذ الذي هتف به اليهود كلما ألمت بهم النوائب، و طالما ألمت بهم هذه النوائب، وبالغ اليهود في رسم الصورة التى أرادوها للمسيح الذي كانوا ينتظرونه، فذكروا أن الناس في ظله لن يعيشوا وحدهم في العالم في سلام و سعادة ، بل يشاركهم في ذلك كل أنواع الحيوانات، فالذئب يسالم الحمل، والعجل يداعب الأسد‏.‏‏!‏‏!‏

و يهيأ الرأى العام اليهودي لهذا المسيح، و كان توقعه يتجدد كلما نزلت باليهود البلايا و المحن ، و ظهر ‏"‏عيسى ابن مريم‏"‏ و أعلن أنه المسيح الذي ينتظره اليهود، و لكن أكثرية اليهود رفضوا هذا الادعاء ، وقاوموا دعوة عيسى ، و ألقوا القبض عليه ، و حكموا عليه بالإعدام‏.‏ و مرت فترة طويلة دون أن يجيئ المسيح الذي ينتظره اليهود، و انتهز بعض اليهود فرصة هذا الترقب فادعى كل منهم أنه المسيح، و سجل التاريخ أخبارا لمسيح كاذب من حين إلى حين، حفظ التاريخ منهم ‏"‏أبو عيسى‏"‏ بأصفهان، و‏"‏سبتاي زيفي‏"‏ في سالونيك‏:‏ هذا ولا يزال اليهود حتى الآن ينتظرون المسيح‏.‏‏(‏1‏)‏

 الفصل الثاني‏:‏ إيذاء اليهود للمسيحية

 المبحث الأول‏:‏ جذور العداء اليهودي للمسيحية ‏:‏

قال تعالى ‏:‏ ‏{‏وقالت اليهود ليست النصارى على شىء وقالت النصارى ليست اليهود على شىء و هم يتلون الكتاب‏}‏ ‏[‏ راجع بتوسع‏:‏ اليهودية، د/أحمد شلبي، صـ 216-225،‏]‏

ليس من ريب أن اليهودية التلمودية فرضت نفسها على المسيحية الغربية ‏.‏ منذ وقت باكر، عن طريق التفسيرات التى قدمها‏"‏بولس‏"‏ - اليهودي الأصل- لتدميرها من الداخل، ثم كان الصراع بين اليهودية و المسيحية بعد ذلك حتى استطاعت اليهودية التلمودية أن تحدث تلك الثغرة الضخمة في الجدار العريض‏.‏ ‏[‏ المخططات التلمودية، صـ 39-40، بتصرف‏.‏‏]‏

إنه خلاف عميق الجذور ، و قد كان للقديس ‏"‏ بولس‏"‏ الدور الأكبر في احتواء المسيحية و إخراجها عن رسالتها الحقة التى جاءت بها و تبديل الناموس ، و إدخال مفاهيم الصلب ،و الخطيئة، و التثليث، إليها‏.‏ كما قال بألوهية المسيح و ألوهية الروح القدس، و اختراع قصة الفداء للتكفير عن خطيئة البشر‏.‏

إنه ‏"‏بولس‏"‏ الذي طمس معالم رسالة المسيح و غَيّر المسيحية ليحاربها من الداخل بسلاح الهدم و التدمير ، متعاونا في ذلك مع أبناء دينه اليهود في القضاء عليها‏.‏ ولقد تعرض المسيحيون إلى جميع أنواع العذاب و الظلم و القسوة و الإبادة ‏.‏

وقد بدأ اضطهاد المسيحية منذ عهد مبكر ، و كان المسيح أحد ضحايا هذا الاضطهاد، و قد نزل بأتباعه في عهده و بعده، مثل ما نزل به من العسف و الظلم، و كان اليهود مصدر هذه القسوة، و لكن المسيحية ثبتت في المعركة، و انتصرت على دسائس اليهود و مؤامرتهم للقضاء عليها في مهدها، وبدأت تنتشر على الرغم من اليهود و غلبتهم على أمرهم، و حينئذ تقدم أباطرة الرومان لاضطهاد المسيحية ، وذلك لأن هؤلاء الأباطرة كانوا لا يعرفون من أمر الدين الجديد إلا أنه امتداد لليهودية، وكانت هذه موضع كراهية من الوثنيين على غير ماجرى العرف من إباحة الحرية الدينية لسكان الإمبراطورية، و ذلك لأن اليهودية أثارت بتعصبها الحقد في القلوب، و كان الأباطرة- قبل المسيح- يقومون بحماية السكان من ضراوة هذا الحقد حتى إذا أحسوا بأنها ستبدو في ثوب جديد هو ‏"‏المسيحية‏"‏ ، و تجذب كثرة من الأنصار الجدد، يشيعون تعصبها، و يثيرون حقد الناس عليها، أخذوا في مقاومة تعاليمها و اضطهاد أتباعها‏.‏ ‏[‏ المسيحية، د/ أحمد شلبي، صـ57، 71، 72، بتصرف‏.‏‏]‏

هذا وإن اليهودية لتنظر إلى المسيحية نظرة أشد عنفا، تتمثل في وصف‏"‏ كارل ماركس‏"‏ للمسيحية ، حين قال‏:‏ ‏"‏إنها ديانة الكلاب الذليلة الضائعة‏"‏‏[‏ المخططات التلمودية، صـ62،بتصرف‏.‏‏]‏ و ما تزال اليهودية منذ ظهور المسيحية و هى في حرب معها‏.‏ ‏[‏ المرجع السابق، صـ60‏.‏‏]‏

و إن العداء الذي أضمرته اليهودية للمسيحية ظل مستحكما في نفوس اليهود منذ عشرين قرنا إلى يومنا هذا، و ذلك بفعل الحقد اليهودي المبنى على التعاليم التلمودية التى حقرت المسيح و المسيحية، و شنت عليها حربا شعواء، استخدمت فيها شتى الوسائل الدنيئة المخربة، و من أشد تلك الوسائل خطورة، تلك التى سعت إلى تخريب المسيحية من داخلها، و بذرت فيها بذور ضعفها و انحلالها ، بعد أن عجزت عن القضاء عليها في الحرب السافرة، و لا ينكر دور شاول اليهودي - المدعو‏"‏بولس الرسول‏"‏ بعد ذلك- في هذا الجانب ‏.‏

- وسنفرد الكلام عنه في بحث خاص به- الذي عجز عن القضاء على المسيحية، فآثر الانتساب إليها ليعمل على تحقيق غايته من داخل المسيحية نفسها‏.‏

و لم يكن ‏"‏شاول‏"‏ وحيدا في هذا الميدان، بل إن كثيرا من اليهود تظاهروا باعتناق المسيحية، منذ عصر الإصلاح الديني الذي ظهرت فيه آثار تعاليمهم و دسائسهم و فتنتهم‏.‏

وتظاهر اليهود باعتناق المسيحية كان و لا يزال سلاحا خطيرا، يستخدمونه للوصول إلى غايتهم الرامية إلى هدم الأديان و التقاليد و الأخلاق‏.‏

فاليهودي الذي ‏"‏يتعمد‏"‏ ظاهرا و يحمل اسما مسيحيا‏,‏ ثم يلتحق في خدمة ‏"‏ ‏"‏ الكليروس‏"‏، يستطيع أن يعمل بحرية تامة على بث الفتن و الشكوك، يحميه رداء الكهنوت المزيف، و اليهودي الذي يعتنق المسيحية كاذبا، و يصل إلى مناصب الدولة العالية أو مناصب الجيش أو التعليم أو الفن، يستطيع أن يبث سمومه المخربة، و ينفذ خطط اليهودية العالمية، بالاسم المسيحى الذي يحمله‏.‏

و دين اليهود وعاداتهم و أخلاقهم تساعد، بل تأمر بالتقية، و أن يظهروا غير ما يبطنون، إذا كان في ذلك خدمة لدينهم و شعبهم‏.‏ ‏[‏ الأفعى اليهودية، صـ52،53 بتصرف‏.‏‏]‏

و نفاق اليهود أمر يضرب به المثل، و قد طفح منهم مع الدعوة الإسلامية في أول عهدها،بعد هجرة النبي صلى الله عيه و سلم إلى المدينة، و إقامة دولة الإسلام الفتية، و إلى الآن ‏"‏‏.‏

ولكن غزو اليهود للديانة المسيحية أسهل عليهم من غزوهم للإسلام، لأن المسيح ظهر فيهم، و لأن الديانتين ‏:‏ اليهودية والمسيحية ديانتان كهنوتيتان، بمعنى أن للكهنة و رجال الدين فيهما التاج و الصولجان، ولقد حارب اليهود المسيح و دعوته، كما حاربوا ‏"‏محمدا- صلى الله عليه و سلم-‏"‏ و دعوته، و قد كان لهم عند ظهور المسيح شىء من النفوذ لدى ولاة الرومان مما حملهم على إغرائهم بالمسيح فقام الرومان بتسليمهم إياه، ليحاكموه في ‏"‏السنهدرين‏"‏‏.‏

وبقى اليهود يحاصرون دعوة المسيح، ويلاحقون دعاة المسيحية و معتنقيها نيفا و ثلاثة قرون، كانوا خلالها يغرون أباطرة و ولاة الرومان بهم، يقدمون لهم أجسادهم يصلبونها على أخشاب أوثانهم، أو يلقون بهم إلى أشداق السباع و هم على مدرجات ملاهيهم يقهقهون‏.‏ ويقول القديس باسيل- في القرن الرابع الميلادي ‏:‏ ‏"‏وكان الوثنيون و اليهود يقتتلون مع بعضهم فيما مضى، أما اليوم فكلاهما يحارب المسيحية‏"‏‏.‏‏[‏ القوى الخفية، صـ 73-74، بتصرف، نقلا عن‏:‏ مؤامرة اليهود على المسيحية، إميل الخوري، صـ 31‏.‏‏]‏

 

التظاهر باعتناق المسيحية‏:‏

‏"‏وحين تخطت المسيحية النطاق الذي حاول اليهود أن يضربوه حولها و انتشرت في العالم، لجأ اليهود كعادتهم- إلى ضربها بعصا القوة الخفية من الداخل بالتظاهر باعتناقها و تحويلها عن مجراها الطبيعي‏.‏ ‏[‏ القوى الخفية، صـ 74‏.‏‏]‏

و من الأمثلة على ذلك - على المستوى الجماعى-‏:‏ أنه في 13 يناير سنة 1389 م كتب‏"‏شامور‏"‏حاخام يهود مدينة ‏"‏أرل‏"‏ من أعمال مقاطعة ‏"‏بروفنس‏"‏بفرنسا، إلى المجمع اليهودي العالى في الأستانة، يستشيره في بعض المسائل الحرجة، و منها أن الفرنسيين في ‏"‏أكس‏"‏ و‏"‏أرل‏"‏ و ‏"‏مرسيليا‏"‏ يهددون معابد اليهود، و طلب الحاخام رأى رؤسائه، فأتاه الجواب التالي‏:‏

أيها الإخوة الأعزاء بموسى‏:‏ تلقينا كتابكم وفيه تطلعونا على ما تقاسونه من الهموم والبلايا، فكان وقع الخبر هذا شديد الوطأة علينا، وإليكم رأي الحكام والربانيين‏:‏

بمقتضى قولكم‏:‏ أن ملك فرنسا يجبركم أن تعتنقوا الدين المسيحى، فاعتنقوه لأنه لا يسعكم أن تقاوموا، غير أنه يجب عليكم أن تبقوا شريعة موسى راسخة في قلوبكم‏.‏

بمقتضى قولكم أنهم يأمرونكم بالتجرد عن أملاككم فاجعلوا أولادكم تجارًا ليتمكنوا رويدا رويدا من تجريد المسيحيين من أملاكهم‏.‏

بمقتضى قولكم أنهم يتعدون على حياتكم، فاجعلوا أولادكم أطباء و صيادلة ليحرموا المسيحيين حياتهم‏.‏

بمقتضى قولكم‏:‏ أنهم يهدمون معابدكم، فاجعلوا أولادكم كهنة و اكليريكيين ليهدموا كنائسهم‏.‏

بمقتضى قولكم‏:‏ أنهم يسومونكم تعديات أخرى كثيرة، فاجعلوا أولادكم وكلاء دعاوى كتبة عدل، وليتداخلو دائما في مسائل الحكومة ليخضعوا المسيحيين لنيركم، فتستولوا على زمام السلطة العالمية‏.‏ و بذلك يتسنى لكم الانتقام‏.‏

سيروا بموجب أمرنا هذا فتتعلموا بالاختبار أنكم من ذلكم و ضعفكم تتوصلون إلى ذروة القمة والقوة العظمة‏.‏

في 21 نوفمبر 1489 كاسلو التوقيع v‏.‏s‏.‏s‏.‏v‏.‏F‏.‏F

أمير اليهود ‏"‏القسطنطينية‏"‏‏[‏ حكومة العالم الخفية، صـ 26، 27، الأفعى اليهودية، صـ 54، 55، والمخططات الماسونية العالمية، صـ 98-100‏.‏‏]‏

وهكذا بذر اليهود في المسيحية عوامل ضعفها و خرابها‏.‏ وأفسد المتمسحون الجدد العقيدة المسيحية‏.‏

لقد علموا المسيحيين القسوة والوحشية ، بأصولها الواردة في التوراة التلمود‏.‏ مع أن المسيحية- فيما جاء به ‏"‏عيسى‏"‏- عليه السلام-كانت متسامحة، و فيها ‏"‏من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر‏"‏‏.‏‏.‏ و من سخرك ميلا فامش معه ميلين‏"‏‏.‏ و علموهم حب المال، وحب المادة و تقديسها، بما يتعارض مع تعاليم المسيحية و يناقضها، و التى فيها‏"‏إن الغنى لا يدخل ملكوت السموات ‏"‏ وفيها ‏"‏اعطوا ما لقيصر لقيصر، و ما لله لله ‏"‏ ‏.‏

وعلموهم الحقد و حب الانتقام، مع أن المسيحية في حقيقتها تدعو إلى المحبة و الخير و فيها ‏"‏أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم‏"‏‏.‏

لقد علموهم الجشع و الطمع و استعمال الربا و المضاربات التجارية غير الشريفة، و أدخلوا فنون تكديس المال وجمعه بالطرق غير المشروعة في الكنيسة نفسها، وفي أعلى هيئة دينية مسيحية، في الصرح البابوى، و لم تكن فكرة صكوك الغفران- و جعلها وسيلة شرهة لجمع المال - إلا فتنة يهودية، لعبها اليهود الخبثاء الذين اعتنقوا المسيحية كذبا ولبسوا مسوح الرهبان، و شرعوا في رسم خطط تخريبها، بعد أن أتيحت لهم فرصة تولى أعلى المناصب الكهنوتية المسيحية‏.‏ و لم يكن من المسيحية و تعاليمها السامية أن يبيع البابا و رجاله المنتشرون في أنحاء أوربا ‏"‏صكوك الغفران‏"‏، كما تباع أسهم الشركات التجارية المساهمة أو كما تباع أوراق اليانصيب، فصكوك الغفران ليست سوى أسهم و مستندات مالية، معجلة الثمن، مؤجلة التسليم، تباع في بورصة الأطماع و الشهوات والجشع، إنها لعبة يهودية لفساد الناس و إفسادهم، لأن من اشترى الجنة بغفران ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، لا يتورع عن ارتكاب أكبر المعاصى و الذنوب، بما قدمت يداه من مال،لا من أعمال‏.‏

أو ليس اليهود هم الذين بثوا في الأديان عموما أنه على المرء أن يخطئ حتى يتمكن من طلب غفران الله ‏.‏ ‏[‏ القوى الخفية، صـ 75، 76، بتصرف، الأفعى اليهودية، صـ 55، بتصرف، والمسيحية د/احمد شلبي، صـ 213، 214،بتصرف‏.‏‏]‏

وتبدو روح اليهودية التجارية البشعة المخربة واضحة حين نقرأ صيغة ‏"‏صك الغفران‏"‏ الذي كان من أهم عوامل انقسام الكنيسة في القرن الخامس عشر، يقول‏:‏

‏"‏ربنا يسوع المسيح يرحمك يا‏.‏‏.‏‏(‏فلان‏)‏ ‏.‏‏.‏ و يحلل باستحقاقات آلامه الكلية القداسة، و أنا بالسلطان الرسولى المعطى لي أحلك من جميع القصاصات و الأحكام و الطائلات الكنسية التى استوجبتها، و أيضا من جميع الإفراط و الخطايا و الذنوب التى ارتكبتها مهما كانت عظيمة و فظيعة، و من كل علة، و إن كانت محفوظة لأبينا الأقدس البابا، و الكرسي الرسولى، و أمحو جميع أقذار الذنب و كل علامات الملامة التى ربما جلبتها على نفسك في هذه الفرصة، و أرفع القصاصات التى كانت تلتزم بمكابدتها في المطهر، و أردك حديثا إلى الشركة في أسرار الكنيسة، و أقرنك في شركة القديسين، و أردك ثانية إلى الطهارة و البر الذين كانا لك عند معموديتك، حتى إنه في ساعة الموت يغلق أمامك الباب الذي يدخل منه الخطاة إلى محل العذاب و العقاب، و يفتح الباب الذي يؤدي إلى فردوس الفرح، وإن لم تمت سنين طويلة فهذه النعمة تبقى غير متغيرة، حتى تأتيك ساعتك الأخيرة باسم الآب و الابن و الروح القدس‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏

واستغل اليهود فساد الكنيسة وهم الذين وضعوا أصول ذلك الفساد، وشرعوا في محاربة كنيسة روما، و إبراز العهد القديم الذي كان حتى آواخر القرن الرابع عشر حبيس الأديرة و الصوامع لا يطلع عليه إلا قلة من رجال الأكليروس الذين يعرفون العبرية و اللاتينية‏.‏

كما تظاهرت جماعة‏"‏شهود يهوه‏"‏ بالمسيحية، فلبسوا مسوح الرهبان، كما تظاهر الدوتمة بالإسلام، فلبسوا العمامة و الجبة والقفطان، بل ولبسوا أيضا ملابس الدراويش‏"‏‏.‏‏[‏ حكومة العالم الخفية، صـ151 بتصرف‏.‏‏]‏

وهكذا فإن جل المذاهب و الفرق المسيحية ما عدا الكاثوليكية والأرثوذكسية- قد نشأت في أحضان اليهودية بفعل يهود متمسحين، أو مسيحيين متهودين، و كلاهما يؤمن بالتوراة قبل الإنجيل، هذا إذا كان فيهم من يؤمن بالإنجيل حقيقة‏.‏ ‏[‏ القوى الخفية، صـ 74بتصرف‏.‏‏]‏

واستشرى الصراع بين الكاثوليك و البروتستنت يغذيه مكر اليهود وخبثهم و عطفهم على البروتستنت الذين آمنوا بنبوءات التوراة المزيفة و نشروها‏,‏ وألحوا على مسيحي أوربا لتصديقها، ووقعت الحروب الدينية، و عقدت محاكم التفتيش، و دستورها جميعا الروح التى تمليها التوراة و تعاليم اليهود التلمودية ، وسالت دماء مئات الألوف من النصارى في حرب طاحنة ابتلعت أكثر من نصف مليون مسيحي‏.‏

وابتعدت الكنيستان الكاثوليكية و البروتستنتية عن تعاليم المسيح السمحة، و لعبت بهما أصابع اليهود التى لو أزيلت لكان الاختلاف بين الكنيسيتين واهيا وطفيفا لا يستحق أن يراق في سبيله دم أى مسيحي‏.‏ ‏[‏الأفعى اليهودية،صـ 58‏]‏ و قد بينا أن اليهود عمدوا في أزمنة متصلة من التاريخ إلى التظاهر باعتناق المسيحية من أجل محاربة المسيحية و المسيحيين في مأمنهم، و اليهودي لا يغير دينه أبدا مهما تظاهر بعكس ذلك، واليهودي الذي ينبث في الأوساط غير اليهودية يتظاهر دائما بالإلحاد ليشجع غيره على الإلحاد و التنكر للأديان، بينما يظل في قرارة نفسه متدينا متعصبا لدينه‏.‏ و عندنا أحسن مثل على هذه الخدعة اليهودية الماكرة - على المستوى الفردى- ‏"‏درزائيلى‏"‏ أو اللورد بيكونسفيلد‏"‏ الذي تظاهر باعتناق المسيحية، ووصل إلى منصب رئيس الوازرة البريطانية زمن الملكة ‏"‏فكتوريا‏"‏ سنة 1875 م، و غرس في عهده جذور الاستعمار البريطاني‏'‏ لا لخدمة الإنجليز و المسيحية، وإنما لخدمة اليهود و اليهودية و عمل طوال حياته على إحياء آمال الشعب اليهودي و تجديد نشاطه و تقوية أحلامه‏.‏ ‏[‏ الأفعى اليهودية، صـ 59، 60 بتصرف‏.‏‏]‏

و أنقل للقارى رأى مؤرخ يهودي في مسألة إعتناق ‏"‏دزرائيلى‏"‏ المسيحية يقول‏:‏

‏"‏‏.‏‏.‏ فإذا أراد الإنسان سبر غور عواطف ‏"‏بيكو نسفيلد‏"‏ و جس نبض نزعاته و ميوله لمعرفة ما إذا كان هذا الرجل بقى يتغذى خفية بلبان عقيدته الأولى ‏.‏ و إذا كان اتخذ المسيحية ذريعة توصله لاكتساب المعالي و تسنم ذرا المجد، و تحقيق المطامع الكبرى التى كان يصبو إليها و هو في ريعان شبابه فعليه بمطالعة تاريخ حياته فهو المرجع الوحيد الذي لا يوارى و لا يداجى و هو بمأمن من الروح الحزبية و الأغراض الدينية، فالحوادث التى تخللت حياته أبانت لنا أن روح هذا الرجل كانت تحوم دائما حول اليهود،و تفيض بالعطف عليهم، و كانت الأوتار الحساسة الكامنة أبدا في مزاجه و طبيعته تهتز لهم اهتزازا شديدا،و كان يرقب حركاتهم و سكناتهم في غدوه و رواحه، إلا أن ذلك ما كان ليمنعه من تأدية فرائضه الدينية المسيحية ‏.‏ ‏[‏ليفي أبو عسل، صـ 194، بتصرف‏,‏ نقلا عن الأفعى اليهودية صـ60‏]‏

وهذا اعتراف صريح من مفكر يهودي، يثبت أن اليهودي حينما يتنصر تظل أعماله و عواطفه و روحه مع اليهود، و لا يمنع ذلك من أداء الفرائض المسيحية، أى أنه يذهب كل يوم أحد إلى الكنيسة و يتظاهر أنه يصلى صلاة مسيحية‏"‏

و‏"‏دزرائيلي‏"‏ هذا هو الذي قال عن شعبه اليهودي في مقال نشره بكتاب ‏"‏حياة لورد جورج بنتنك سنة 1852م ‏"‏ ما يلي ‏:‏ ‏"‏شعب الله يتعاون مع الكفرة الملحدين، أمهر الناس في جمع المال يتحالفون مع الشيوعيين، الجنس المختار يصافح يد الجنس الواطي من حثالات البشر في أوربا، و كل ذلك من أجل تحطيم المسيحية الناكرة للجميل و التى تدين لليهود حتى باسمها، و التى لم يعد بالامكان تحمل طغيانها ‏.‏‏.‏‏"‏

و عن اعتناق اليهود لدين غير دينهم، قال البروفسور اليهودي الكبير‏"‏البرت انشتاين‏"‏ في مجلة ‏"‏الكولير‏"‏ الأسبوعية، عدد 28 نوفمبر 1938م ‏:‏ ‏"‏إن اليهودي الذي يغير دينه يظــل يهوديـا‏"‏‏.‏

واعترف اليهودي ‏"‏ماركيوس الرفاجي‏"‏ من رومانيا، في مقال نشره في يناير سنة 1928م، بالتغلغل اليهودي السري في الكنائس و المدارس المسيحية، و قال مخاطبا الكفار ‏(‏جنتايلز‏)‏ أى المسيحيين، ‏"‏ إنكم تثيرون الضجة عن تغلغلنا في مسارحكم و في صناعة السينما، و هذا أمر نسلم به و تعترف، و لكن ما قيمة ذلك حين تقارنونه بسلطاتنا المذهلة في كنائسكم و مدارسكم و قوانينكم وحكوماتكم وتفكيركم و ثقافتكم‏"‏ ‏[‏ الأفعى اليهودية، صـ60-62، بتصرف‏.‏‏]‏

الحقد المكشوف‏:‏ ولم يقتصر نشاط اليهود في حربهم للمسيحية على تغلغلهم السرى و اعتناق المسيحية كذبا و رياء، بل رافق ذلك عداء سافر وقح نظمته الماسونية بعد انتصارها في الثورة الفرنسية و تسلطها على الحكومات الأوربية العلمانية طوال القرن الثامن عشر و التاسع عشر و العشرين‏.‏ ‏[‏ المرجع السابق، صـ64 بتصرف‏.‏‏]‏

ويقول ‏"‏شيريب سبيريد وفيتش‏"‏‏:‏‏"‏ أى معتوهين أو مجرمين أولئك المسيحيين الذين يقبلون حكم الملوك المسيحيين خدما لليهود‏"‏‏.‏

و في كتاب ‏"‏ حقيقة بروتوكولات صهيون‏"‏ صور الكاتب ‏"‏السلافي غويغورى بوستونيش‏"‏ الأفعى الشيطانية الرمزية، و قد أحاطت بأوربا، فرأسها في أوربا، و نظرها إلى القسطنطينية جنوبا، وقد طرد البطريرك عن القسطنطينية بعد إقامة دامت 1000 سنة، و لم يكن نجاح حركة الأفعى الشيطانية لأن تركيا يحكمها العثمانيون، و إنما يعود الفضل في نجاحها إلى دكتاتور تركيا الفعلى ‏"‏مصطفى كمال‏"‏ اليهودي المغولي‏.‏

كذلك فإن أميركا في خطر كبير، وهى تواجه كارثة مؤكدة، إلا إذا نظرت إلى اليهود من خلال الصورة التى وصفهم بها المسيح‏.‏

إن أسوأ أنواع اليهود المغول تتدفق على الولايات المتحدة ليل نهار في كتل بشرية متتابعة‏.‏ واليد الخفية تساعد كل يهودي أو عميله ممن يعملون ضد تعاليم المسيح في أمريكا‏(‏مثل العقلانيين الذين أسس مدرستهم الفكرية اليهودية ‏(‏سبينوزا‏)‏ و يعتبر فضحهم من الأمور الخطرة، لهذا ليس بمستغرب أن يخفى أو يتجاهل رجال الدين و أساتذة الجامعات و الكتّاب و السياسيون الحقيقة فيسهمون في تقوية ‏"‏الجنون المزمن‏"‏ ‏.‏ ‏[‏ حكومة العالم الخفية، صـ43- 45، بتصرف،و يقصد بالجنون المزمن حالة أولئك الذين لا يعرفون ماهية الحكومة العالمية‏.‏‏]‏

 

المبحث الثاني‏:‏ دور بولس في تغيير المسيحية‏.‏

من أهم معالم إيذاء اليهود للمسيح و دعوته ‏"‏الدور الذي قام به بولس‏"‏‏:‏

‏"‏حيث كان أفراد طائفة يسوع من الحواريين يقومون بالدعوة بعد عيسى -عليه والسلام- و يقومون بمعجزات الشفاء من الأمراض ، و يدلون بالنبوءات، و يرون الرؤى ، فاجتذبت الطائفة عدداً من المؤمنين يبعث على الدهشة، ثم اعترف المجلس بها آخر الأمر باعتبارها حركة يهودية أصيلة، بناء على طلب أحد البارزين من الفريسيين و اسمه ‏"‏غما لائيل‏"‏ ‏(‏أعمال الرسل 5/34 بتصرف‏)‏، و المؤكد أن تلاميذ يسوع لم يكونوا يعتقدون أنهم قد أسسوا دينا جديدا، بل و اصلوا حياتهم باعتبارهم يهودا يقيمون الشعائر كاملة غير منقوصة، و كانو يترددون على المعبد معا كل يوم للصلاة‏,‏ و أطلقوا على أنفسهم اسم ‏"‏الفقراء‏"‏ مثلما فعلت طائفة ‏"‏قمران‏"‏‏,‏ فتنازلوا عن ممتلكاتهم و عاشوا حياة جماعية، يتوكلون فيها- في رزق الكفاف- على الرب، مثل طيور الجو و زنابق الحقل، وكان ورعهم ذا جاذبية شديدة، وكان يحظى بإعجاب الكثيرين من زملائهم اليهود، كانوا يؤمنون بأن يسوع لا بد أن يرجع عما قريب بمجد السماء، و عندها سيتضح للجميع أن مملكة الله قد جاءت آخر الأمر ‏.‏

وقد أطلق على أتباع يسوع في أنطاكية اسم ‏"‏ المسيحيين ‏"‏ لأول مرة بسبب تأكيدهم أن يسوع هو المسيح، أى الذي مسح عليه بالزيت المقدس ، أو ‏"‏المسيا‏"‏ و التحق بالمسيحيين في أنطاكية - في نحو عام 40م يهودي من يهود الشتات، كان أول الأمر يبدى التعصب في معارضة الحركة المسيحية ، ولكنه اعتنق الدين الجديد على أثر رؤيا قاهرة ليسوع -كما أخبر أو زعم - رأها أثناء سفره إلى دمشق لمواصلة اضطهاده للكنيسة هناك، ألا و هو ‏"‏بولس الطوسوسى‏"‏ الذي سرعان ما اصبح أحد القادة المسيحيين لأنطاكية‏.‏

كان مفهومه للمسيحية يختلف اختلافا كاملا عن مفهوم ‏"‏أعمدة أورشيلم‏"‏‏.‏

و على ندرة المعلومات المتوافرة عن بواكيرحياة ‏"‏بولس‏"‏، فيبدو أنه كان كأنما يبحث عن شىء جديد ، كان قد درس التوراة على أيدي ‏"‏غمالائيل‏"‏ و التحق بالطائفة الفريسية،‏[‏ أشهر فرق اليهود انعزلوا عن الشعب واتخذوا معالم خاصة لسلوكهم، يؤمنون بقدسية التوراة، ويضيفون إليها مكونات التلمود من روايات شفوية ووصايا وتفاسير، ويسمون أنفسهم الأحبار أو الربانيين، عاصروا المسيح وعارضوه في كثير من مبادئ دعوته، وأبرزها قضية فصل الدين عن السياسة التي صرح بها المسيح، استهوتهم الدنيا فأقبلوا على الشهوات واستنزاف أموال الناس فاختلت منزلتهم وتخلى عنهم كثير من أتباعهم، سماهم المسيح المرائين، ويقولون بالمحافظة على الشريعة مع التقاليد اليهودية المتوارثة من قبل الأسر، يؤمنون بالمسيح المخلص، والبعث، وقيامة الأموات واليوم الآخر‏.‏

وقال الشيخ عبد الوهاب النجار‏:‏ كان بين اليهود قوم يقال لهم ‏"‏ الفريسيون‏"‏ وحقيقة هذا الاسم أنهم قوم تجردوا لطاعة الله تعالى وملك عليهم حبه مشاعرهم ، فتفرغوا للعبادة وانقطعوا عن العباد وزهدوا في حطام الدنيا الفانية، وأقبلوا بكليتهم على الآخرة، ولكنهم من قبل زمن المسيح عليه السلام قد انحرفوا عن سنن أسلافهم، وألهتهم الحياة الدنيا بزبرجها وزخرفها، وأقبلوا على الشهوات يستسرون بها، وهم في عملهم يراؤون الناس استدراجا لهم ليوقعوهم في مخالبهم ويبتزوا أموالهم، فكان ظهورهم بمظهر الزهد شركا نصبوه لصيد الدرهم والدينار،

وكان هناك الكتبة ومن وظائفهم الوعظ وكتابة الشريعة لمن يطلبها وكانوا في شئونهم يشبهون الفريسيين في تصيد أموال الناس ، وكان هناك الكهنة وخدمة الهيكل، وكانوا قد صاروا إلى حال رديئة ويحرفون كلام الله ويتهالكون على الحطام الفاني،‏"‏=

= وفي قاموس الكتاب المقدس‏:‏ وقبل بمعنى أنه صار ذا رأي وعلم بالأمور، فهو فارس أي عالم بالامر وهم فوارس، فريسي، فريسيون، الكلمة من الآرامية ومعناها ‏(‏المنعزل‏)‏ وهي إحدى فئات اليهود الرئيسية الثلاث التي كانت تناهض الفئتين الأخرين ، فئتي الصدوقيين والآسينيين، وكانت أضيقها رأيا وتعليما‏.‏

ويرجح أن يكون الفريسيون خلفاء الحسيديين المتظاهرين بالتقوى‏"‏القديسيين‏"‏ المذكورين في ‏"‏المكابيين‏"‏ والذين أشتركوا في الثورة المكابية ضد انطيوخوس ابيفانيس‏.‏

وقد ظهر الفريسيون باسمهم الخاص في عهد يوحنا هركانوس، وكان من تلامذتهم فتركهم والتحق بالصدوقيين وسعى ابنه ‏"‏اسكندرينايوس‏"‏ من بعده إلى إبادتهم، غير أن زوجته ‏"‏الكساندره‏"‏ التي خلفته على العرش سنة 78ق‏.‏م‏.‏ رعتهم فقوى نفوذهم على حياة اليهود الدينية وأصبحوا قادتهم في الأمور الدينية‏.‏

أما من حيث العقيدة فكانوا يقولون بالقدر ويجمعون بينه وبين إرادةالإنسان الحرة، وكانوا يؤمنون بخلود النفس وقيامة الجسد ووجود الأرواح ومكافأة الإنسان ومعاقبته في الآخرة، بحسب صلاح حياته الأرضية أو فسادها غير أنهم حصروا الصلاح في طاعة الناموس فجاءت ديانتهم ظاهرية وليست قلبية داخلية، وقالوا بوجود تقليد سماعي عن موسى تناقله الخلف عن السلف وزعموا أنه معادل لشريعته المكتوبة سلطة أو أهم منها، فجاء تصريح المسيح بان الإنسان ليس ملزما بهذا التفليد‏.‏

وكان الفريسيون في أول عهدهم من أنبل الناس خلقا و أنقاهم دينا، وقد لاقو أشد الاضطهاد، غير أنه على مر الزمن دخل حزبهم من كانت أخلاقهم دون ذلك ، ففسد جهازهم واشتهر معظمهم بالرياء والعجب ، فتعرضوا عن استحقاق للاتتقاد اللاذع والتوبيخ القاسي ‏"‏فيوحنا المعمدان‏"‏ دعاهم والصدوقيين ‏"‏أولاد الأفاعي‏"‏ كما وبخهم ‏"‏السيد المسيح‏"‏ بشدة على ريائهم وادعائهم البر كذبا وتحميلهم الناس أثقال العرضيات دون الاكتراث بجوهر الناموس‏.‏ وكانت لهم يد بارزة في المؤامرة على حياة المسيح‏.‏

ومع هذا فكان في صفوفهم دوما أفراد مخلصون أخلاقهم سامية منهم ‏"‏بولس‏"‏ في حياته الأولى، ومعلمه ‏"‏غمالائيل‏"‏‏.‏

‏[‏انظر في هذا ‏:‏ اليهودية، د/ أحمد شلبي، صـ 226- 233، والفكر الديني اليهودي، د/ حسن ظاظا، صـ 210- 213، وقصص الأنبياء ‏]‏للشيخ عبد الوهاب النجار،صـ 469، وقاموس الكتاب المقدس، صـ 674، 675‏.‏ ولكنه كان يحس أن التوراة تمثل عبئا مدمرا لحريته الشخصية، و أنها عجزت عن توفير الخلاص له أو السلام أو التوحيد مع الله‏.‏

بل أصبح بولس يعتقد بعد الرؤيا التى رآها في طريقه إلى دمشق أن يسوع قد حل محل التوراة باعتباره التجلى الأول لله في العالم، إذ كانت وفاة يسوع و بعثه يمثلان فاتحة مرحلة جديدة في تاريخ الخلاص، إذ أصبح من الممكن الآن لليهودي و غير اليهودي الدخول علىحد سواء في إسرائيل الجديدة عن طريق طقوس التعميد التأهيلية، والتي تستطيع ادماج كل منهما على حد سواء على المستوى الروحي في المسيح، و لم تكن ثمة حاجة بالمسيحيين إلى مراعاة قوانين الطعام، أو إلى الانفصال عن الأمم الأخرى، أو إلى ممارسة الختان، لأن هذه جميعا كانت من سمات العهد القديم الذي تجاوزه الزمن، بعد أن أصبح كل من يعيش ‏"‏في المسيح‏"‏ من أبناء الرب و أطفال إبراهيم مهما تكن أصولهم العرقية‏.‏

كانت إعادة تفسير بولس لسنن الدين تتضمن تنقيحا مذهلا، و قد تقبلها الناس في الشتات ليس بسبب إمكان إثبات صحتها عقلانيا، و ليس لأنها كانت تتسق مع الحقائق التاريخية عن حياة يسوع و موته، و لكن جاذبية نظرة ‏"‏بولس‏"‏ إلى ‏"‏يسوع‏"‏ كانت ترجع إلى تناغمها تناغما عميقا مع التطورات الدينية الأخرى في العالم اليوناني الروماني في تلك الفترة‏.‏

و رأينا أيضا أن هذا الاتجاه كان قد بدأ ظهوره في اليهودية الفلسطينية، فكان الفريسيون و طائفة قمران يعتبرون أن رابطتهم الدينية بمثابة معبد جديد، و كان المسيحيون آنذاك قد بدأوا الانتقال من مرحلة المعبد إلى الرجل المقدس،وحلت محل طقوس الحج والتطهير القديمة طقوس مسيحية جديدة تتمثل في اعتناق الدين ومراسم الدخول فيه، و التوحد مع يسوع الإنسان، الذي اكتسب منزلة مقدسة عندما رفعه الله من الموتى‏.‏

و هكذا يتجه‏"‏بولس‏"‏ إلى تعليم المسيحيين أن يسوع هو مركز الخلاص ، وأنه سوف يخلصهم لا من العماء الأولى بل من قوى الخطيئة و الموت و هى القوى الشيطانية‏.‏ ‏[‏ القدس مدينة واحدة، عقائد ثلاث، تأليف كارين أرمستزونج ، صـ 246-250 بتصرف‏.‏‏]‏

فمن بولس‏؟‏ إنه صاحب 14 رسالة من رسائل الرسل التي هي ‏(‏22رسالة‏)‏ ‏.‏

ولد بولس في طرسوس وتربى في أورشليم، واسمه الأصلي ‏"‏شاؤل‏"‏ واختلف في أمر جنسيته ، هل هو من الفريسيين الذين يقولون‏:‏‏"‏إن هناك قيامة يشاركون فيها ملك المسيح في الدنيا، أم لا‏؟‏ وهل هو من الرومان‏؟‏ أم من اليهود، وإن كنا نرجح أنه من الفريسيين اليهود لقوله عن نفسه‏:‏‏"‏ أنا يهودي فريسى بن فريسى، على رجاء قيامة الأموات‏"‏‏.‏‏[‏ أعمال الرسل ، إصحاح 6‏:‏23‏]‏ وأن ادعاءه الرومانية كان حيلة لينجو بجلده، وقد تم له ما أراد، كما ذكر ذلك في سفر أعمال الرسل، في آخر الإصحاح الثاني والعشرين‏.‏

 

قصة دخوله المسيحية‏:‏

كان بولس هذا في صدر حياته من أشد أعداء المسيحية وأبلغهم كيدا لها، وأكثرهم إمعانا في أذي معتنقيها، كما قال عن نفسه أيضا‏:‏ سمعتم بسيرتي قبلا في الديانة اليهودية، أني كنت أضطهد كنيسة الله‏,‏ بإفراط وأتلفها، وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي، إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي‏"‏‏.‏‏[‏ غلاطية، 1‏:‏ 13 ،14‏]‏

ويقول لوقا عنه-في أعمال الرسل‏:‏‏"‏وكان ‏"‏شاؤل‏"‏ راضيا بقتل المسيحيين ، وكان يسطو على الكنيسة، ويدخل البيوت ويجر رجالا ونساءا ويسلمهم إلى السجن ولم يزل ينفث تهديدا وقتلا على تلاميذ الرب ، فتقدم إلى رئيس الكهنة وطلب منه رسائل إلى دمشق، حتى إذا وجد أناسا في الطريق رجالا أو نساءا يسوقهم موثقين إلى أورشليم‏"‏‏.‏‏[‏ أعمال الرسل، 9‏:‏ 1، 2‏]‏

ولكنه انتقل إلى المسيحية فجأة من غير تقدمات، قدمت ذلك الانتقال ، ولا تمهيدات مهدت له ، غير أنه زعم أنه في ذهابه حدث أنه اقترب من دمشق، فبغتة أبرق حوله نورمن السماء فسقط علىالأرض وسمع صوتا قائلا له‏:‏‏"‏شاول شاول لماذا تضطهدني‏؟‏ فقال‏:‏ من أنت يا سيد‏؟‏ فقال الرب‏:‏أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن ترفس مناخس، فقال وهو مرتعد ومتحير ‏:‏يا رب ماذا تريد أن أفعل‏؟‏ فقال له الرب قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل‏.‏

وفي لوقا‏:‏فقال له قم وكرز بالمسيحية، وفي ختام هذه القصة يقول لوقا جملة ذات بال ، غيرت وجه التاريخ، وهي ‏:‏‏"‏وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيحية أن هذا هو المسيح ابن الله‏.‏‏"‏ ‏[‏ إعمال الرسل، إصحاح، 9‏:‏ 3- 6، 60‏]‏ ودخل بولس في المسيحية-وحاول ان يتصل بتلاميذ المسيح، ولكنهم أوجسوا منه خيفة، ولم يصدقوا ‏'‏إيمانه-وحق لهم- ولكن شهد له ‏"‏برنابا‏"‏فصدقه الآخرون، وإن كان ‏"‏برنابا‏"‏ لما عرف حقيقة امره، تخلى عنه بعد أن ظهرت اتجاهاته،وانفض عنه فيمن انفضوا‏"‏‏[‏ المسيحية، صـ106، بتصرف‏.‏‏]‏ هذا ‏.‏‏.‏‏.‏ وفي حكاية إيمان ‏"‏بولس‏"‏ وقصة الرؤية التي رأها من الاختلاف بين الإصحاحات ما يجعلها باطلة كاذبة‏.‏ ‏[‏ إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي، ج1، صـ 128، بتصرف، ط/ دار التراث العربي‏.‏‏]‏ وبهذه الخطة الماكرة استطاع هذا الرجل أن يحرف في جوهر الديانة المسيحية، دون أن يستطيع أحد معارضته، لأنه زعم لهم أنه يتلقى التعاليم من المسيح تلقيا إلهاميا روحيا، وصدقوه في ذلك ، وأدخل في المسيحية ما أدخل ، وحرف فيها ما حرف، وكاد لدين الله أيما كيد‏.‏ ‏[‏ مكايد يهودية عبر التاريخ ، عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، صـ 34- 36،‏.‏‏]‏

ولقد تعجب دارسو الأديان فقالوا‏:‏ كيف ينتقل رجل من كفر بدين ، مع اضطهاد أتباعه‏'‏ إلى الاعتقاد الشديد به طفرة من غير سابق تمهيد، ولو كان الانتقال مقصورا على مجرد الانتقال من الكفر إلى الإيمان - فإن لذلك نظائر وأشباها- لزال العجب ، ولكن العجب أن ينتقل شخص من الكفر المطلق بدينه إلى الرسالة في الدين الذي كفر به‏,‏ فإن ذلك ليس له نظير، ولم يعهد ذلك في أنبياء ورسل قط‏.‏‏!‏‏!‏

وليذكر لنا المسيحيون مثالا على ذلك، ليذكروا لنا رسولا بعث من غير أن يكون في حياته الأولى استعداد لتلقى الوحي، وصفاء نفس يجعله أهلا للإلهام، ولا يجعل الاتهام والتكذيب يغلبان على رسالته، وأنه إذا لم يكن للرسالة إرهاصات قبل تلقيها ، لا يكون على الأقل قبلها ما ينافيها ويناقضها‏.‏

ولكن بولس-أبو العجب- استطاع أن يتغلب على ذلك العجب في عصره، وأن يفرض على المسيحيين آراءه من بعده، وأن يحكم على نسيان العقل عندما يدرسون أقواله وآراءه وتعاليمه‏.‏

ومن يومها استطاع بولس أن يفرض ما ارتآه على المسيحيين فيعتنقوه دينا، ويتخذوا قوله حجة، زاعمين أنه رسالة أرسل بها حتى صارت المسيحية الحاضرة منسوبة إليه، فهو المؤسس الحقيقي لها‏.‏

وقد ساعده على القيام بدوره عدة صفات امتاز بها، هي‏:‏

1- أنه كان نشيطا دائم الحركة، ذا قوى لاتكل، وذا نفس لا تمل‏.‏

2- أنه كان المعيا شديد الذكاء، بارع الحيلة، قوى الفكر، يدبر الأمور لما يريدها بدهاء الألمعي، وذكاء الأروعي، يسدد السهام لغاياته ومآربه فيصيد بها‏.‏

3- أنه كان شديد التأثر في نفوس الجماهير، قوى السيطرة على أهوائهم ، قديرا على انتزاع الثقة به ممن يتحدث إليه‏.‏ ‏[‏ محاضرات في النصرانية، صـ81-87 بتصرف‏.‏‏]‏

وكان التحول الذي حدث لبولس وهو في طريقه إلى دمشق تحولا مثيرا، وكان مثالا للمعنى الذي رآه المسيحيون الأوائل في اعتناق المسيحية، كان يمثل انقلابا، وقلبا للقيم المقدسة القديمة رأسا على عقب ، وهو ما بدأ الكثيرون يرون فيه وسيلة للتحرر‏.‏

ومنذ هذه اللحظة أصبحت المسيحية لا تضرب بجذورها في مكان معين‏.‏

وأصبح البطل الجديد للمسيحية هو‏"‏بولس‏"‏ الرحالة، الذي لا يقيم في مدينة معينة في هذا العالم ، بل يشار إليه دئما في صورة المسافر، ومع ذلك فقد كان الانفصال عن أورشليم مؤلما‏.‏

ولقد وقع صدام مرير بين بولس والكنيسة الأم بعد أن اكتشف ‏"‏يعقوب‏"‏أن المسيحيين في أنطاكية لايأكلون طعام اليهود الخاص، ويختلطون دون قيود مع أبناء الأمم الأخرى، وتوصل الطرفان إلى حل وسط، عين بموجبه ‏"‏بولس‏"‏ مسؤلا عن البعثة للأمميين‏.‏ ‏[‏ القدس مدينة واحدة، صـ251 بتصرف‏.‏‏]‏

لقد اقترح بولس صورة جديدة للسيد المسيح،وهي صورة قلبت الفكر الذي ينسب للمسيح، لقد ترك ‏"‏بولس الرسول‏"‏، عن المسيح رسما واضح القسمات وإن اختلفت ظاهرا عن رسم مسيح الأناجيل، فمسيح ‏"‏بولس‏"‏ هو مسيح الإيمان أكثر منه مسيح التاريخ‏,‏ ولا عجب فبولس الفيلسوف واللاهوتي لم ير المسيح في الجسد ولا رافقه كباقي الرسل، فمسيحه هو ابن الله ‏[‏ ‏)‏ روما‏:‏ 8/ 3- 23، غلاطية، 4‏:‏4‏.‏ ‏]‏ له طبيعتان‏:‏ إلهية وإنسانية، تجسد واتخذ صورة عبد‏"‏‏[‏ فيلبي‏:‏ 2‏:‏7‏.‏‏]‏ وتحدر من ذرية إبراهيم حسب الجسد‏[‏ غلاطية‏:‏ 3‏:‏ 5‏.‏‏]‏ ومات مصلوبا، وقبر وقام من بين الأموات‏.‏ ‏[‏ كورنثوس الأولى، 1‏:‏ 24، 27، وفيلبي 15‏.‏‏]‏ نعم ذلك هو مسيح بولس وليس عيسى ابن مريم عليه السلام‏.‏ ‏[‏ يسوع المسيح الأب بولس إلياس، صـ 17-18، نقلا عن‏:‏المسيحية، د/ أحمد شلبي، صـ 93-94، بتصرف‏]‏ كيف تعلم شاؤول المسيحية‏؟‏ أو من هم أساتذته في المسيحية‏؟‏ إن شاؤل قد أعد لهذا السؤال إجابة شبيهة بقضية دخوله المسيحية، فهي إما أن تقبل وإما أن ترفض ولكنها على كل حال لا تناقش، قال‏:‏ أعرفكم - أيها الأخوة-، الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان ،لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته من إنسان، بل بإعلان يسوع المسيح‏"‏‏[‏ أعمال الرسل، 9‏:‏ 26- 27‏]‏ وهكذا أخذ شاؤول الذي أصبح يدعي ‏"‏بولس‏"‏بعد دخوله المسيحية الزمام ، فوه لم ير المسيح قط ولا سمعه يتكلم، ولكنه قال بصلة مباشرة بينه وبين المسيح ، صلة أدخلته المسيحسة وسكبت في نفسه تعاليم جديدة، وبهذه الدعوىلم يعد لأحد الحق في أن يناضله فيما ينشره من تعاليم ، مادام يقول إن هذه التعاليم تلقاها مباشرةمن السيدالمسيح‏,‏ وراح ‏"‏بولس‏"‏ يعلم ديانة استمد لها عناصرمن الثقافات الأجنبية التي كان بولس على علم واسع بها‏.‏فأخذ يعلم الناس أن ‏"‏عيسى‏"‏ لم يكن المسيح الموعود فحسب، بل إنه ابن الله نزل إلى الأرض ليقدم نفسه قربانا ويصلب تكفيرا عن خطيئة لبشر، فموته كان تضحية مثل ممات الضحايا القديمة من الآلهة في أيام الحضارات البدائية من أجل خلاص البشرية‏.‏ ‏.‏ ‏[‏ المسيحية، صـ101 بتصرف‏.‏‏]‏

فما بشربه ‏"‏عيسى‏"‏ كان ميلادا جديدا للروح الإنسانية، أما ما البشر به بولس فكان الديانة القديمة ديانة الكاهن والمذبح وسفك الدماء طلبا لاسترضاء الإلهة ، كان ‏"‏عيسى‏"‏ في نظره ‏"‏حمل عيد الفصح‏"‏، تلك الضحيةالبشرية المأثورة المبرأة من الدنس أو الخطيئة، وقد أدخل ‏"‏بولس‏"‏ على ديانته بعض تعاليم اليهود ليجذب أتباعا له من اليونان، فبدأ يذيع أن ‏"‏عيسى‏"‏ منقذ ومخلص وسيد، استطاع الجنس البشري بواسطته أن ينال النجاة ،وهذه الاصطلاحات التي قال بها بولس كانت شهيرة عند كثير من الفرق، فانحاز أتباعها إلى ديانة بولس، وعمد كذلك- ليرضى المثقفين اليونان- فاستعار من فلاسفة اليونان وبخاصة الفيلسوف‏"‏Philo‏"‏فكرة اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة، أو ابن الإله أو الروح القدس، من هنا جعل ‏"‏بولس‏"‏ المسيحية دينا عالميا ، وليس دينا لبني إسرائيل فقط، وقال بالتثليث، وتبع ذلك ألوهية المسيح وألوهية الروح القدس، وجعل عيسى ابن الله نزل ليضحى بنفسه تكفيرا عن خطيئة البشر، وقيامة عيسى من الأموات وعودته ليجلس عن يمين أبيه كما كان من قبل ليحكم ويدين البشر‏.‏‏"‏ ‏[‏راجع بتوسع‏:‏ المرجع السابق، صـ98-114 ‏.‏‏]‏

لقد وصف بولس بأنه استهدف غاية اليهودية في الدخول إلى المسيحية ليحاربها من الداخل بسلاح الهدم والتدمير، متعاونا في ذلك مع أبناء دين اليهود في سبيل القضاء عليها‏.‏ ‏[‏ المخططات التلمودية، صـ118‏]‏

فبولس هو المؤسس الحقيقي للديانة المسيحية السائدة، وقد طور فكرة المسيح من الناحية اللاهوتية والناحية الإنسانية، وجعلها تتناسب مع فكرة الإنقاذ القديمة ، فقدم آدابا مستحدثة في طابع قديم مألوف، وبهذا فصل دعوة عيسى عن اليهودية، ولم ينفر ‏"‏بولس‏"‏ من الطقوس الوثنية، بل على العكس اقتبس كثيرا من هذه الطقوس ليضمن نشر ديانته بين الوثنيين دون أن ينفروا منها، وليبعد ديانته أيضا عن أن تذوب في اليهودية‏.‏

ومن الصور التي حقق بها هذا الغرض أن جعل عطلة الأسبوع يوم الأحد، متبعا في ذلك تقاليد ‏"‏Mithras‏"‏ وأهمل يوم السبت وهو اليوم المقدس عند اليهود‏.‏

واقتبس بولس من الوثنيات كذلك أعياد رأس السنة، وعيد القيامة ، وعيد الغطاس ، وأطلق عليها مسميات جديدة، فعيد الربيع عند ‏"‏ ‏"‏Ostaraأصبح عيدا لخروج عيسى من القبر Easter‏"‏‏"‏ وطقوس السر المقدس أخذت مكان معبد التضحية عند اليهود، وعيسى أصبح ‏"‏ابن الله‏"‏ حملت به أمه العذراء حملا غير طبيعي، واحتلت صورة العذراء والمسيح مكانا مقدسا احتلته قديما صورتا حوروس وأوزيرس Hurus and osiris‏"‏‏"‏ ووضعتا في كل الكنائس وأما المعابد ذات الأهمية الكثيرة فكانت تذكارا للأحراش والغابات ذوات الأشجار الكثيفة التي كانت مكانا للعبادة لدي الأمم القديمة‏.‏

تلك أمثلة مما اقتبسته المسيحية من الوثنية، ولكن يجب ألاننسى أنه على الرغم من كثرة ما أخذت المسيحية من الوثنية لم تعد المسيحية وثنية في روحها، بل ظلت متمسكة بتحفظها الديني الذي ورثته من اليهود، كما حافظت على ابتعادها عن الناحية الجسمانية الشهوانية‏.‏

وقد ظلت المسيحية كذلك طالما كانت مضطهدة تحارب لتعيش، فلما أصبحت أقوى من أعدائها تغيرت الأحوال فقل صفاؤها وضعف، وظهرت بها الفرق والأحزاب التي استقلت كل منها بتنظيم وأصبح رؤساؤها رجال سياسة وقادة دينيين في نفس الوقت‏.‏

وعند نهاية القرن الثاني كان أتباع المسيحيةأكثرمن أتباع أي دين آخر، وكان الرومان مع تسامحهم تجاه كل الأديان يضطهدون المسيحيين لأسباب ثلاثة‏:‏

1- اعتبرهم الرومان غير مخلصين للوطن لتنبئهم بسقوط الإمبراطورية ،ولأنهم امتنعوا عن الخدمة العسكرية وعن شغل الوظائف‏.‏

2- اعتبرهم الرومان غير متجاوبين مع الاتجاه الاجتماعى في الامبراطورية، لأنهم لم يشتركوا في الأعياد العامة‏.‏

3- اعتبرهم الرومان أميل للفجور وسوء الأدب، لأن أغلب الأسر التي تنصرت كان مصيرها الفرقة والانحلال‏.‏‏"‏ ‏[‏ المسيحية، د/ أحمد شلبى، صـ 82-83،‏]‏

فمما لاشك فيه أن بذور الضعف في المسيحية زرعها- بحسب رأى كثير من العلماء -بولس ‏(‏شاؤل‏)‏

الرسول، يوم أن عجز عن القضاء على المسيحية فآثر الانتساب إليها ليعمل على تحقيق غاية من داخل المسيحية نفسها‏.‏ ‏[‏ المرجع السابق، 57‏.‏‏]‏

وهذا التحول الذي أعلنته المسيحية من التسامح والرضا بالضيم، إلى الحقد والثأر يمثل التحول من أفكار عيسى إلى أفكار بولس‏.‏ ‏[‏ المرجع السابق، 72‏.‏‏]‏